التحكيـــــــــــــــــــــــــــــــــم
أولاً: – مفهوم التحكيم: –
التحكيم هو نظام قضائي خاص، حيث يتم عن طريق الاتفاق فيما بين المتعاقدين على إحالة جميع المنازعات بين أطراف العلاقة التي نشأت أو قد تنشأ بينهما كنتيجة لهذا العقد إلى شخص أو أكثر محايد من الأفراد يسمون “محكّمين”، ليفصلوا في المنازعة المذكورة بإصدار حكم تحكيم ملزم وقابل للتنفيذ بدلًا من أن يفصل فيه القضاء.
إويعتبر التحكيم عملية سرية مطلقة ولا يتم الإعلان عن حيثياتها على الملأ، وتبدأ اجراءات التحكيم بتواصل أطراف النزاع مع الجهة التي تم اختيارها كمحكم فيما بينهم، وذلك من خلال اجراءاتها الخاصة من اختيار المحكم والالتزام بالمدد المتفق عليها لحين اصدار الحكم النهائي والذي يكون ملزماً على الأطراف.
وفي هذا الصدد أرست محكمة تمييز دبي العديد من المبادئ القانونية والتي مؤداها: –
” أن التحكيم هو طريق استثنائي لفض المنازعات وأنه يعد خروجاً على الأصل العام الذي يقضى باختصاص المحاكم بنظر جميع المنازعات إلا ما استثنى منها بنص خاص وأنه يجب تفسير شرط التحكيم تفسيراً ضيقاً والتماس كل ما من شأنه التنازل عنه أو انتهاء الغرض منه ”
ثانياً: – خصائص التحكيم: –
يتميز التحكيم عن غيرة من طرق التقاضي التقليدية بالعديد من الخصائص كالاتي: –
-
سرية عملية التحكيم: -
حيث يتمتع التحكيم بالخصوصية حيث أنه لا يتم من خلال إجراءات رسمية علنية أمام المحاكم التقليدية، والتي يستطيع أياً كان أن يطّلع على مجرياتها، بل هو إجراء حصري بين طرفي النزاع ولا يجب إعلان مجرياته أو أية تفاصيل عنه. -
توفير الوقت: -
عملية التحكيم عملية سريعة وفاعله في حل النزاعات بحيث يتم سماع الأطراف وبحث أوجه أوجه النزاع بشكل فوري حالما يتم تعيين المحكّم دون تطويل في الاجراءات الشكلية، كما أنّ عملية التحكيم عملية سريعة ولا يتم فيها إحالة الإجراءات إلى عدة جهات أخرى وإنّما يتم التعامل معها بسرعة من خلال هيئة تحكيم واحدة. -
مرونة عملية التحكيم: -
توفر عملية التحكيم إمكانية التحكم بمواعيد الجلسات بحيث تناسب احتياجات الأطراف المعنية وأوقاتها، وبالتالي إعطاء كل طرف مساحة وحرية أكبر في البدء بإجراءات التحكيم متى يشاء وذلك لأنّ العملية برمتها عملية مرنة، ويحق للأطراف المعنية الاتفاق فيما بينها على جميع المسائل الإجرائية الرئيسية كإجراء التحكيم عبر الوثائق الخطية أو عن طريق جلسات الاستماع الشفهية أو غيرها من طرق التحكيم الكثيرة والتي توفر أيضاً الجهد والمال.
ثالثاً: – قانون التحكيم الاماراتي: –
حيث أن دولة الامارات العربية المتحدة قد فطنت ومنذ سنوات الى ضرورة وضع تشريع قانوني يحدد ضوابط التحكيم في الدولة ولهذا قامت بإصدار القانون رقم 6 لسنة 2018 (قانون التحكيم)، والذي جاء في 61 مادة وتسري أحكامة على: –
- كل تحكيم يجري في الدولة ما لم يتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام قانون تحكيم آخر، بشرط عدم تعارضه مع النظام العام والآداب العامة للدولة
- كل تحكيم تجاري دولي يجرى في الخارج ويتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون
- كل تحكيم ناشئ عن نزاع بشأن علاقة قانونية عقدية كانت أو غير عقدية تنظمها القوانين النافذة في الدولة، إلا ما استثني فيها بنص خاص.
كما اشترط قانون التحكيم أنه يجب للاعتداد بشرط التحكيم سواء كان الاتفاق على التحكيم في صورة شرط أو مشارطة فإنه لا يثبت إلا بالكتابة سواء كانت الكتابة محرراً وقعه الطرفان أو ما تبادله الطرفان من رسائل وبرقيات أو غيرها من وسائل الاتصال المكتوبة.
كما أكدت محكمة تمييز دبي على أنه يعتبر اتفاقاً على التحكيم كل إحالة ترد في العقد الأصلي إلى الوثيقة التي تتضمن شرط التحكيم إذا كانت الإحالة واضحة وصريحة في اعتماد هذا الشرط، ولا يتحقق أثر الإحالة إلا إذا تضمنت تخصيصاً لشرط التحكيم الذي تضمنته الوثيقة المحال إليها.
وقد أكد قانون التحكيم الاماراتي على أنه في حال تم رفع النزاع الى المحكمة المختصة على الرغم من وجود شرط التحكيم فانه يحق للطرف الاخر التمسك بشرط التحكيم والطلب من المحكمة التي تنظر النزاع بالتوقف عن نظرة والحكم بعدم اختصاصها بنز هذا النزاع.
كما أكدت محكمة تمييز دبي على هذا بالعديد من المبادئ التي اوضحت أن الدفع بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم هو دفع شكلي من قبيل الدفوع بعدم الاختصاص لأن الهدف من التمسك به هو إنكار اختصاص المحكمة بنظر الدعوى.
ويجب التمسك بشرط التحكيم قبل إبداء اي طلب موضوعي أثناء نظر النزاع على سند من أن النص بالفقرة الأولى من المادة الثامنة من قانون التحكيم رقم 6 لسنة 2018 أنه يجب على المحكمة التي يرفع إليها نزاع يوجد بشأنه اتفاق تحكيم، أن تحكم بعدم قبول الدعوى إذا دفع المدعي عليه بذلك قبل ابدائه أي طلب أو دفع في موضوع الدعوى، وأنه يجوز النزول عنه صراحة أو ضمناً، ويسقط الحق فيه فيما لو أثير متأخراً بعد الكلام في الموضوع إذ يعتبر السكوت عن إبدائه قبل نظر الموضوع نزولاً ضمنياً عن التمسك به.
رابعاً: – المخول بالتوقيع على شرط التحكيم وسريانة: –
نص قانون التحكيم الاماراتي على الا ينعقد الاتفاق على التحكيم الا من الشخص الطبيعي الذي يتمتع بأهليه التصرف في الحقوق أو من ممثل الشخص الاعتباري المفوض في ابرام الاتفاق على التحكيم والا كان الاتفاق باطلاً.
أن الاتفاق على اللجوء الى التحكيم لا يصح الا ممن كانت له أهلية التصرف في الحق المتنازع عليه وليست أهليه الالتجاء الى القضاء وذلك لأن الاتفاق على التحكيم يعنى التنازل عن رفع الدعوى الى قضاء الدولة بما فيه من ضمانات للخصوم.
وأن التحكيم كطريق استثنائي لفض المنازعات استلزم المشرع للاتفاق عليه وكاله خاصه وتفويض صريح ، وان شرط التحكيم لا يلزم الا اطرافه المتفقين عليه ولا يسرى على غيرهم من اطراف العقد اللذين لم يتفقوا عليه ، فإذا أقيمت الدعوى على عدة خصوم وكان أحدهم دون الباقين هو من وافق على شرط التحكيم في العقد موضوع النزاع ، وكانت المطالبة في الدعوى تتعلق بهذا العقد فإن حسن سير العدالة يقتضى عدم تجزئة النزاع لتعلقه بمعاملة واحدة تعدد اطرافها ومن ثم يتعين نظره أمام جهة واحدة هي المحكمة باعتبارها صاحبة الولاية العامة والاختصاص الاصيل في نظر أي دعوى بحسب الاصل .
خامساً: – صدور حكم التحكيم: –
يجوز لهيئة التحكيم أن تصدر (أثناء نظر النزاع) أحكاما وقتية وتحفظية في جزء من الطلبات، وتكون هذه الاحكام الوقتية أو القرارات التحفظية قابلة للتنفيذ بموجب أمر على عريضة يقدم الى رئيس المحكمة أو من ينوب عنه.
أكما أجاز القانون لطرفي النزاع أمام التحكيم أن يتفقاً على تسوية النزاع عن طريق تحرير اتفاقية تسوية وديه ويطلبوا إثبات هذه الشروط أمام هيئة التحكيم، ويجب على الهيئة في هذه الحالة إصدار حكمها في النزاع متضمن الشروط والاحكام المتفق عليها فيما بين طرفي النزاع، ويكون لهذا الحكم ما لحكم المحكمين من أثار.
ويصدر حكم التحكيم النهائي في خلال مدة لا تجاوز ستة أشهر من تاريخ الجلسة الاولى من التحكيم ويجوز تمديدها لمدة مماثلة بحد أقصى، ويجب أن يصدر الحكم بأغلبية الآراء (إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من أكثر من محكم) ويجب أن يكون حكم التحكيم مكتوباً وموقع عليه منهم وفي حال رفض محكم أو أكثر التوقيع على الحكم وجب ذكر السبب، ويكون الحكم صحيحاً إذا صدر من أغلبية المحكمين .
سادساً: – التصديق على حكم التحكيم والطعن عليه بالبطلان: –
أورد المشرع الاماراتي إجراءات التصديق على حكم التحكيم بموجب طلب تصديق على حكم تحكيم يقدم الى رئيس محكمة الاستئناف مرفق به أصل حكم التحكيم وصورة منه بالإضافة الى ترجمة قانونية الى اللغة العربية إذا كان الحكم بلغة أجنبية.
وعلى رئيس المحكمة أن يأمر بالمصادقة على حكم التحكيم وتنفيذه في مدة لا تجاوز (60) يوم من تاريخ تقديم الطلب.
يجوز لاحد طرفي حكم التحكيم أن يلجأ الى القضاء لقيد دعوى بطلان حكم التحكيم في خلال مدة (30) يوم من اليوم التالي لإعلانه بالحكم، ويجوز لهذا الطرف أن يطلب من المحكمة وقف تنفيذ حكم التحكيم موقتاً لحين الفصل في دعوى البطلان.
وقد أجاز القانون التظلم من قرار رئيس المحكمة سواء برفض أو قبول وقف التنفيذ في خلال 30 يوما من إعلانه بالقرار وذلك أمام محكمة الاستئناف.